موقع كتاب الضبط في عملية التقاضي في ظل اشعار اضراب نقابتهم بالاضراب في حال عدم تلبية المطالب

لا شك بان المواطن لاحظ ان العدالة في وطننا تعاني اليوم من عدة مشاكل، منها ما يرجع إلى تعقد الإجراءات ، ومنها ما يرجع إلى تراكم القضايا بالمحاكم، وهو ما يترتب عنه إرهاق للقضاة بالعمل والمتقاضين، لذا لم يتردد الفقهاء في الإجماع على حقيقة مفادها أنه لا تقع على القاضي وحده مسؤولية تحقيق العدالة، وأنه لا يمكنه بمفرده القيام بجميع ما يتطلبه سير الدعوى من إجراءات، لذلك كان من اللازم إيجاد مؤسسة تساعده في تسييرها، وهي مؤسسة مساعدي القضاء (Les auxiliaires de justice) وكلمة (auxiliaires) مشتقة من كلمة(auxilium)، بمعنى النجدة والمساعدة. ويشارك هؤلاء في حسن سير القضاء وذلك إما بمساعدة القاضي أو بمساعدة الأطراف، حتى أن أحد وزراء العدل الفرنسيين اقترح تسميتهم الشركاء في القضاء (les partenaires de justice).

ويعتبر كل مساعدي القضاء من أصحاب المهن الحرة (كالمحامي، العدل المنفذ، الخبير...إلخ) باستثناء كاتب الضبط الذي ينتمي إلى الوظيفة العمومية ومنسق عملية التقاضي، ويتميز كاتب الضبط عن بقية مساعدي القضاء من أصحاب المهن الحرة من ناحية، كما يتميز عن الكاتب العادي من ناحية أخرى ويستمد هذا التمييز أساسه من طبيعة تدخله في العمل القضائي، وخصوصية الأعمال والمهام المسندة إليه، وهو ما يجعله يخضع في الوقت نفسه إلى نظام الوظيفة العمومية إضافة إلى قانون خاص يحدد مشمولا ته وينظم طرق تسميته وكيفية انتدابه في حين تكتفي بعض الدول الأوروبية كالبرتغال بإخضاعه إلى قانون خاص وهو مرسوم قانون عدد87/376 المؤرخ في 11 ديسمبر1987 وكذلك موريتانيا بالمرسوم رقم 09-2007 المتضمن النظام الأساسي الخاص بموظفي كتابات الضبط الصادر بتاريخ07أبريل 2007 والذي تطالب النقابة الوطنية لكتاب الضبط بتطبيقه ؛ ويظهر دوره متميزا في الاضطلاع بمهمة مساعدة القاضي على حسن تسيير مرفق القضاء والإدارة القضائية فيها.

إلا أن مصطلح كاتب الضبط الذي جاء تعريبا للكلمة الفرنسية (greffier) مصطلح لا يستوفي مفهوم العبارة الفرنسية التي عرفها قاموس "Larousse" بالمأمور العدلي المكلف بالسهر على الإجراءات القانونية في سائر

القضايا وعلى حفظ وتسليم نسخ الأحكام، بينما تدل عبارة كاتب حسب المفهوم الإداري المتداول على "السكرتير" أي الموظف العادي المكلف بالكتابة تحت إملاء رئيسه وبتعليمات منه وهذا عكس كاتب الضبط الذي هو مستقل في عمله وشاهد المحكمة.

وهذا الفرق بين مدلول العبارة العربية والعبارة الفرنسية هو الذي جعل العموم يعتقدون أن كاتب الضبط هو مجرد موظف إداري عادي، بينما الفرق في واقع الأمر شاسع بين اختصاصات هذا وذاك. فدور كاتب المحكمة جوهري وأساسي في سير دواليب القضاء ومن الصعب على غير رجال القانون تصوره وإدراك المهام الدقيقة والمتنوعة التي يختص بها هذا العون الشريك.

والجدير بالملاحظة أن دور كاتب الضبط (Greffier) قد تطور بصفة محسوسة في البلدان الأوروبية حتى أنه بلغ في بعض الدول كألمانيا والنمسا إلى منحه اختصاصات حكمية في المادة المدنية والجزائية وإلى إمكانية إدماجه في سلك القضاة – وان كان ذلك موجود في موريتانيا لكن تم تضمينه ببعض الشروط التعجيزية-، كما تجسد هذا التطور بإحداث اتحاد أوروبي لكتبة الضبط بتاريخ 06 أكتوبر 1967 وضبط قانون نموذجي خاص بكتبة المحاكم بالاتحاد الأوروبي ركز على ضرورة ضمان حق المواطنين في استصدار القرارات القضائية في آجال معقولة طبقا للمادّة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان واعتبر هذا القانون في ديباجته أن إحداث كتابة الضبط بناء على أسس دولة القانون وسيلة لتحقيق نجاعة المهام القضائية.

ولا يقتصر دور كاتب الضبط على نوع معين من القضايا، بل إن تدخله إلى جانب القاضي يشمل كل أنواع النزاعات، وحضوره ضروري وملزم في كل درجات التقاضي. فدوره الإجرائي يبرز منذ رفع الدعوى وتلقيها إلى حين تنفيذ الحكم الصادر فيها وهو يستمد اختصاصاته من مختلف المجلات القانونية، وخاصة تلك المتعلقة بالإجراءات في جميع ميادين التقاضي. ولا يخفى ما لهذا الدور الإجرائي من خطورة على سرعة البت في القضايا وإيصال الحقوق لأصحابها إذ أن الغفلة عن إجراء قانوني من طرف كاتب الضبط يؤدي بالضرورة إلى بطلان ذلك الإجراء أو المطالبة ببطلانه وبالتالي تأخير البت في القضية وما يتسبب فيه، ذلك من إثقال لكاهل المتقاضين بأتعاب جديدة ومصاريف إضافية وتعديا على حرياتهم وحقوقهم. . ويظهر بالتمعن في مختلف هذه الواجبات المحمولة على كاتب الضبط أنها نفس الواجبات المحمولة على القاضي كما أن المشرع خول له نفس الحماية الجزائية ولعل خصوصية هذا الدور المناط بعهدة كاتب الضبط هو الذي اقتضى تنظيم المهام الموكولة وتحديد مشمولا ته بقانون خاص إضافة إلى خضوعه للقواعد العامة المنظمة للوظيفة العمومية.

وتأكيدا على انتمائه كجزء لا يتجزأ من الهيأة القضائية فقد خصصت جلّ الدول لكاتب الضبط زيا خاصا به عند الحضور بالجلسات والملاحظ أنه لا يراعى في هذا الزى التدرج الوظيفي لكاتب الضبط. كما اوجب عليه أداء اليمين لفئتي(كتاب الضبط الرئيسيين وكتاب الضبط )قبل مباشرتهم لوظائفهم نظرا لخطورة المهام المسندة إليهم وثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم ولا يقتصر دور كاتب الضبط على نوع معين من القضايا، بل إن تدخله إلى جانب القاضي يشمل كل أنواع النزاعات، وحضوره ضروري بل واجب في كل درجات التقاضي..

وعليه ومن أجل أن تنجح ورشة إصلاح العدالة التي أنشاها الرئيس محمد ولد عبد العزيز لا بد من تقوية هيأة كتابة الضبط باعتبارها العمود الفقري للعملية القضائية برمتها، فهي مكان ميلاد القضايا ورواجها وهي المخاطبة لجميع المرتفقين من المتقاضين ومساعدي القضاء من المحامين والعدول والمفوضين القضائيين وغيرهم، وهي التي ترافق أطوار القضايا إلى أن تنفذ، وبالتالي فأي إصلاح لا يستحضر هذا الدور المحوري سيكون فاشلا لا محالة وأكبر ما يجب أن ينصب عليه الإصلاح بخصوص كتابة الضبط هو تأهيل الموارد البشرية والهيكلة التنظيمية للمحاكم وفق ما يحقق النجاعة المطلوبة(التنظيم القضائي بجانب تنظيم أدارتها القضائية). إذ لا يمكن أن ننتظر نجاعة قضائية بهيكلة عتيقة، كما لا يمكن أن نطلب النتائج المرجوة بموارد بشرية غير مؤهلة ولا تحظى بالعناية الاجتماعية والاعتبارية اللازمة. إضافة إلى ضرورة إعادة النظر في المنظومة القانونية المنظمة لجميع المهن القضائية وفق رؤية متكاملة تنبني على تحقيق التكامل والانسجام والجودة..

فإقرار مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية في الدستور لا يخلوا من ضرورة الحديث عن موقع هيأة كتابة الضبط وتحديد موقعها بين هذه السلطات الثلاث، ومن ما لا يختلف فيه اثنان أن كل المهام التي تقوم بها كتابة الضبط هي مهام إدارية تنفيذية غير قضائية إلا ما يتعلق منها بتنفيذ بعض الأوامر القضائية، ومن ثم فهي تخضع للسلطة التنفيذية في حين أن القضاة يتبعون للسلطة القضائية. وهذه الرؤية مدعومة بقاعدة فقهية هي ان كل ماهو إجرائي فهو من وظائف كتابة الضبط وكل ما يتعلق بالفصل في الخصومات والمنازعات فهو من اختصاص القضاء.

ولكن لكل شيئ حدود فما هي حدود استقلالية هيأة كتابة الضبط في مشروع اصلاح المنظومة القضائية؟ إلى حدود اليوم نسجل عدم استيعاب الوزارة الوصية لأهمية استقلالية هيأة كتابة الضبط وناسف أن نجد محسوبين على الخط الرسمي من يعتبر ذلك رغبة في الإفلات من الرقابة؛ وكأنما لا يحق مراقبة كتابة الضبط إلا من جهة بعينها، ورغم أن هذه الاستقلالية لا تقل أهمية عن استقلالية القضاء بشكل عام. فنحن نعلم أن كتابة الضبط تؤدي أدوارا مختلفة، فهي إجمالا تقوم بثلاثة أدوار مختلفة لكنها متكاملة، فهناك الدور القضائي الذي يتمم جميع ما يصدر عن الهيئة القضائية؛ وبدون كتابة الضبط لا معنى لأي حكم قضائي ولا لأي مقرر قضائي مهما كان مضمونه، والدور الثاني هو دور إداري باعتبار كتابة الضبط تدبر مصالح وقضايا مختلفة يحضر فيها الطابع الإداري والتدبيري اليومي، إضافة إلى الدور المحاسباتي باعتبار رؤساء كتابات الضبط يعتبرون محاسبين عموميين، ويتحملون مسؤولية مالية لما يعهد إليهم من استخلاص الرسوم القضائية والغرامات والعقوبات المالية... ولهذا كنا ننادي -وما زلنا- إلى ضرورة إعادة النظر في قانون التنظيم القضائي من خلال التنصيص على استقلالية هيأة كتابة الضبط وتحديد هذه الأدوار كاختصاصات منصوص عليها قانونا وتحديد صلاحيات رؤساء كتابات الضبط حتى لا يترامى عليها مسؤولون قضائيون دون موجب قانوني، وإنما برغبة في الهيمنة والسطو على اختصاصات هيأة يفترض فيها أن تكون مستقلة كما في عدد من الدول الديموقراطية التي تحترم نفسها.

وللأسف أيضا مع أن لهيئة كتابة الضبط دور أساسي في تحريك عجلة منظومة العدالة فإن هذه الهيئة عانت وما زالت تعاني من العديد من المشاكل أهمها النظرة الدونية التي تطبع هذه الهيئة منذ تنظيمها في موريتانيا ’ نظرة تؤدي بشكل أو بآخر إلى إهدار كل الطاقات والكفاءات وجعلها مثل الآلة تشتغل بصمت دون أن تساهم في أي إصلاح للعدالة.

لكن اليوم نحن الشباب الطموح والواعون والمطالبون بالتغيير تغيير كل أنماط الإدارة التقليدية واجتثاث كل معاني البيروقراطية من إداراتنا - والتي التي يسعي رئيس الجمهورية لتطبيقها في اطار تطبيقه لبرنانجه الانتخابي - ومؤسساتنا نحن شباب النقابة الوطنية لكتاب ضبط موريتانيا وبروح وطنية عالية نقول نعم لإصلاح منظومة العدالة لكن لا وألف لا لإصلاحها دون إشراك هيئة كتابة الضبط.

وبعد مضي زمن طويل وعدم التماس لأي إرادة جادة من الوزارة الوصية للاستجابة لعريضة النقابة الوطنية لكتاب الضبط ، أشعرت الأخيرة الوزارة بأنها ستدخل في إضراب لمدة شهر ابتداء من تاريخ:05/06/2017علي كافة محاكم التراب الوطني والإدارات التابعة لوزارة العدل اذا لم تتحقق المطالب التالية:

1- تفعيل مع مراجعة المرسوم 171/2009المتظمن النظام الأساسي لكتاب الضبط .

2-تنفيذ توصيات المجلس الاعلي للقضاء الذي يراسه رئيس الجمهورية المتعلقة بامر وزير العدل والمالية بمنح قطع ارضية لموظفي كتابات الضبط.

3-حل مشكلة التقدمات الاختيارية وضمان الترقي في اسلاك كتابات الضبط والتي يراسها كتاب الضبط الرئيسيين.

4- حل مشكلة المصاريف القضائية بمراجعة مرسومها والذي اصدر وزير العدل الحالي تعميما بالتقيد به وضمانا للشفافية انشاء صندوق له .

5-ضمان حق التكوين المستمر لكتاب الضبط.

وعليه واستجابة للرغبة الملحة في طرح تصوراتنا إصلاح العدالة آثرنا إلا أن نبدي وجهة نظرنا حول إصلاح منظومة العدالة وذلك من بوابة هيكلة ادارتها القضائية والمنسقة للعملية القضائية والاعوان القضائية ولا يسعني الا وان ابدي ملاحظة وهي ان كاتب الضبط ليس عونا قضائيا فالعون يمكن الاستغناء عنه بل هو شريك في العملية القضائية ولا تصح العملية القضائية دونه مطلقا.

بقلم ذ/احمد حبيب صو كاتب ضبط رئيسي

اثنين, 15/05/2017 - 16:55

إعلانات