بعد الإطناب في نقل صراخ الساسة وعويلهم وتفاهاتهم، قال مراسل وكالة رويترز: كان الحضور النسائي لافتا في احتجاجات كاتلونيا.
واكتفى مراسل حربي بالقول إنه قضى يوما في جبهات القتال ولاحظ "تمردا جامحا" في صفوف المقاتلات الكرديات.
وعند التعليق على مجريات الانتخابات في إيران يركز موفدو وسائل الإعلام على أن المناسبة تسلط الضوء على الوجه الحداثي للبلاد وتوق المرأة هناك للانفتاح.
ويقول صحفي أدخن إن الشابات لعبن دورا طلائعيا في التعبئة لمهرجان تكتل القوى الديمقراطية.
لافتا وجامحا وحداثيا وطلائعيا... "كلمات دلالية" غامضة ذات حمولة خاصة.
غالبا ما يستنجد الصحفيون باللغة للتمترس خلف مفردات لبث بعض ما يعتمل بدواخلهم عند تغطية بعض الأحداث.
في تقارير وسائل الإعلام الرزينة، لا سبيل للتعليق على الظواهر غير الطبيعية.
هناك كبت محكم عندما يتعلق الأمر بالمجد والبهاء والقوام.
لكن المراسل الذي يبث برقيات الانجذاب والانصعاق مع أوصاف من قبيل: جامح ولافت، يتعمد بخبث توريط زملائه في غرف الاخبار بإرفاق صور يتطلب شرحها رواية أو قصة، بينما المقام لا يسمح للمحرر التعيس سوى أن يقول: وكان حضور المرأة طاغيا على المشهد.
يتحصن هو الآخر خلف اللغة ويضيف جرعة أخرى: الطغيان بدل الجموح مثلا.
في الانتخابات والاحتجاجات الإسبانية يتعمد موفدو وسائل الإعلام إغراق غرف الأخبار بمناظر مستفزة: سنابل تركت بغير حصاد، ووجوه تتحاور فيها الحضارات، وأمجاد في أمجاد
.
بعد وقت طويل من التفكير في التعليق المناسب يكتب سيد أحمد
مثلا: المرأة الإسبانية تركت بصمتها على المشهد السياسي.
تعليق سخيف فعلا، لكنه يقول في الحقيقة إنها تركت بصمتها على غرفة الأخبار.
إنه غزل الوقار السياسي الذي دفع أحد زملائي المغاربة للقول إن (..) موفدة أممية حصيفة وذات عمق حضاري.
يكون هذا التعليق محايدا عندما يتناول إندونيسية في ربيعها السبعين.
لكنه هنا في منتهى الخبث إذ يتعلق بثلاثينية هولندية كأن قامتها برج إيفل!
قبل أشهر خرجت الفتنة من حرمها وتظاهرت في ساحات بيروت ضد تكوم النفايات. استنجد الصحفيون بتعليقاتهم السخيفة مرة أخرى:
فتيات لبنان في طليعة النضال.. المرأة اللبنانية حضرت بقوة.. بيروت تنبض بالحيوية..
وعندما أرسل زميلي تقريرا جميلا يتجاوز الحيوية َإلى الإبحار في وجه الموج الأزرق وملامسة القامات السامقة والتصاميم الفخمة، قيل إن صاحبنا "خضع لسلطة المكان" ولم يستحضر المعايير والمحاذير.
كلفوني برد التقرير عن غوايته.
استنجدت حينها بنزار قباني وكتبت: وبيروت تبقى برغم (النفايات) أنثى!
لكن تركيزي على أنوثة المدينة ولد هاجسا جديدا لدى المسؤول عن النشر فتقرر إصدار شهادة وفاة للتقرير.
لم أقل إنً صراع السعوديين والإيرانيين اساسه احتضان بيروت وهوس الاستئثار بغنجها ودلالها. لكن الحذر يظل سيد الموقف في المعالجة الرزينة للأخبار.
ولعل الأكثر طرافة في هذا المقام هو أن صحفيا كبيرا يبدي إعجابا شديدا بفصاحة سياسية إيرانية تتحدث بالفارسية بالرغم من أنه لا يفهم من حديثها إلا ما أفهمه من خطب الدلاي لاماً بلغة التبتيين.
وفي الحقيقة فإن الانتخابات الإيرانية هي موسم الغزل المشفر عند الصحفيين.
وعندما سارت شابات طهران على "الدرب الأخضر" تأييدا لمير حسين موسوي عام ٢٠٠٩ تشبث الصحفيون بالمفردات المفخخة وأمطرونا بتعابير من قبيل: الوجه الآخر لإيران.. إيران المنفتحة.. الإيرانيات في قلب المعركة.
يريد زملاؤنا القول إن السجادة الإيرانية بديعة في فخامتها وتطريزها وجمالها وإن نار فارس ما تزال تتلظى وإن وهجها يبلغ بعد المشرقين..
وقبل أيام، فاجأ أحمد ولد داداه المشهد السياسي بمجهور استثنائي من حيث الكم والنوع.
وعندما تساخف الصحفيون مرة أخرى، نحت لكم مفهوم "النضال البهيج" وكتبت هذا المقال.