سيستوقفني الكثيرون ويحتجون، لماذا تتكلم بهذه اللغة من التفهم والتقدير ورد الجميل، في حق رجل أعمال ومصرفي كبير، يخوض كغيره تجربة بنكية كبيرة، أو مثيرة على رأي البعض، أو حتى رأي آخرين، مشوبة بالربا، رغم ما يدعي هو وغيره، من تحقيق للأسلمة وحرص على تطوير ذلك وإكماله، ولو تدريجيا، مع مرور الوقت وتهيئ الفرص الموضوعية السانحة.
رغم هذا الجدل المشروع، الذي قد يثيره البعض، إزاء طرق موضوع الملياردير محمد ولد عبد الله ولد انويكظ، إلا أنني هنا أتحدث عن الجانب الاجتماعي والخلقي والشخصي، ضمن علاقاتي الخاصة، مع محمد ولد عبد الله ولد انويكظ، وربما لا صلة لهذا المقال بموضوع محمد ولد أنويكظ كرجل أعمال وشخصية عامة.
ولعل موريتانيا على وجه العموم، في الأعم الأغلب، نخبة وعامة وبسطاء، لا يكادون يفصلون، ولو من الزاوية المنهجية النظرية التحليلية، بين البعد العمومي لشخص ما، وبعده الخصوصي الاجتماعي الصرف.
وباختصار وقبل أيام، نظرا لإهمال دواء مرض "السكري"، وعدم الاستعداد إطلاقا لتناوله، أصبت بنوبات حادة، جراء ذلك، وبعض المشاكل الأخرى، الناتجة عن مضاعفات السكري وبعض جراحه المزعجة!.
واضطررت للسفر صوب مدينة داكار المجاورة، دون ترتيب كاف من الناحية المادية، نظرا لطابع الاستعجال، حيث كنت أحمل في تلك الرحلة، أقل من 80 ألف أوقية، بالوحدة الحسابية الحالية، ودخلت السنغال رفقة بعض زملائي الصحفيين وحرمي الغالية، حفظها الله ووفقها، لكن طبيعة الرحلة الاستشفائية، وفترة العطل الحالية، المستلزمة لارتفاع أسعار الإيجار، أدت إلى نفاد المبلغ في حدود أسبوع فقط، قبل استكمال تكاليف الدواء، فما كان مني يوم الأحد المنصرم، الموافق 14-07-2019، إلا أن اتصلت بصديقي وابن عمي، محمد ولد عبد الله ولد انويكظ، الذي لم أخطره بسفري قبل ذهابي، فرد علي متهكما مشاكسا كالعادة: "هذا لا يعنيني"، ولأنني عارف بمشاكسته، التي هي جزء من صراحته الزائدة وسجيته الغالبة، عاودت الاتصال في اليوم الموالي، فأكد لي استعداده للرد الايجابي كالمعتاد، وأرسل لي ما يكفي وأكثر، جزاه الله خيرا، لإكمال مهمتي العلاجية الاستثنائية.
وللتذكير كتاباتي عن الرجل المذكور، في جانبه العام والخاص، في أحيان متعددة، مزعجة ولا تحتمل، وقد تكون لذلك بعض الأسباب والمسوغات، التي أراها في أغلب الأحيان طارئة عابرة، تفرض نفسها علي، لإبائي وحدة طبعي، وفي المقابل يستدعيها أحيانا التجاهل والتنكر غير الدائم من قبله، لرحمنا المشترك وصلاتنا المختلفة العميقة.
وتلك طبيعة العلاقات الإنسانية، تماما مثل "شعرة معاوية"، كما يقال في المثل العربي.
وفي حساب رجال الأعمال وغيرهم وفي حساب كل أنواع البشر ربما، قد يستلزم التعامل لإبقاء العلاقات الإنسانية الحذر والكياسة.
أجل التعامل معها بحذر، قد يستلزم تنازلات متبادلة مؤلمة أحيانا، من أجل أن يبقى لك في هذه الحياة، عش زوجية أو ولد أو ابن أخ أو أخت أو ابن عم، أو أي مستوى من مستويات الترابط العائلي أو العام، بين بني البشر.
لا بد أحيانا من تنازلات وصبر وسعة وحكمة وتعقل، وتلك في أغلب الأحيان طبيعة أخي الغالي محمد ولد انويكظ، عندما يستلزم الأمر ذلك.
concessions douloureusesوتعني حرفيا باللغة العربية "تنازلات مؤلمة".
لقد وجدت هذا الرجل دائما إلى جانبي في أوقات كثيرة، فعندما دخلت غرفة العمليات بمستشفى الشفاء بنواكشوط سنة 2010، ضمن عملية، شبه معقدة، بعد أن أوشكت "المرارة" على التفلت والانفجار على ما يجاورها من أعضاء حساسة، لم يزرني في تلك الغيبوبة الطبية "التخدير من أجل الجراحة"، من كل معارفي من محيطي الخاصة، من رجال الأعمال، وهم كثيرون لله الحمد، سوى محمد ولد عبد الله ولد انويكظ، وفي الصباح زارني قبل التوجه للمكتب ووقت خروجي أرسل بسلاسة، من يسدد الفاتورة.
وعندما مرضت والدتي واستعصى الحال كان موفقا، وما سافرت به للتلقي لها وهي في سيارة إسعاف، كانت فقط دراهم محمد ولد انويكظ وأخي عبد الله ولد محمد السالك ولد أحمدو (رب أخ لك لم تلده أمك)، وعندما توفيت رحمها الله، لم تفته الصلاة عليها، وعندما أردت دفنها في مقبرة لكصر، كان إلى جانبي على حافة القبر!.
وبعد الإفطار وصلاة التراويح كان معي إلى جانب الدائرة الضيقة من الأسرة، محمد السجاد ولد الولي ولد أعبيدن، رحمه الله، وأحمد ولد هنن ولد أعبيدن، حفظه الله وأطال عمره في طاعته.
وعموما في الرخاء قد نختلف وفي الضراء نلتقي وبقوة وحماس وعهد ثابت صلب منقطع النظير، سواء تعلق الأمر بضرائه أو ضرائي، أما السراء فلا تهم، مجرد فتنة واختبار.
والضراء تكشف معادن الرجال، ورب الكعبة، إنه لمن لائحة الرجال الكبار بامتياز، عهدا وشفقة وحنانا، حين يستلزم الأمر ذلك، جزاه الله خيرا.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ".