رحلة الى المجهول: قدر الإنسان وقضاء الجن!!! /القاضي الخليل بومن

ـ عندما تبدأ مسارك المهني من تشيت وتركب بعدها دابة ابن بطوطة الحرون لتسري بك في ليل تكانت الموحش والمظلم في رحلة استكشافية وقودها الصدفة وسوء الطالع.

لتلتقي بكل قضاة الجن في تكانت ويتحدثون معك بصراحة حول تخلف نظام قضاء البشر وعدا لتهم، و عن بطىئ إجراءاته ومدى تضرر المتقاضين من ذلك، وعن كسل قضاة البشر في موريتانيا وطموحاتهم التي لا تتناسب مع ملا بس وسلوك اغلبهم م وشهادا تهم.

وتمشي بك بعد ان انهكها ابن بظوظة في رحلته الكونية منهكة على ارض تقانت “المدروجة “وجبالها ” الشاهقة وبطاحها النقية الطاهرورمالها التي تبتلع الجمال” والبجوان”، وتترتوي منها اغلب انهار أفريقيا حيث تتدفق من من اوديتها وسهولها من تكانت الى الحوض الغربي افله ويرتوي منها العاكر ليترجمها الى كو ارث في الطينطان وتتوزع على سهول اودية الركيبه وولد اعلى باب ولمسيله في لعصابه مرورا بنهر كنكوصة وانتهاءا بكاركور سيلبابي الذي يبعثها الى نهر السنغال قبل ان تعترضها دلتا النهر بانجاكو وكرمسين ومرج البحرين يلتقيان هذا عذب فرات وهذا ملح اجاج.

عناق المحيط الاطلسي مع اودية وجبال وسهول تكانت يتحول فجاة الى الى شجرة مباركة يكاد زيتها يضيئ الوطن فتستنير باضاءتها في روصو وانواكشوط وفي مثلث الامل، ويرتوي عطاشنا في ارجاء الوطن من مائها العذب الزلال، ونستدفئ بناره بردا وسلاما قولا وفعلا وابداعا من رب رحيم.

من هنا فهمنا ونحن في هذه الرحلة الشاقة انا وصديق الجن كيف حولت جبال واودية تكانت وسهولها وبطاحها السائلة بالماء العذب الزلال حياتنا من خلال مياهها السائبة والمتدفقة نحونا من جحيم وسيبة الى جنة نعيم دنيوية، فنكون لها شاكرين، ولربها حامدين، و بجميلها عارفيين، ونحن منبهرين ومحتارين في لوحة فنية كبيرة وفريدة وجميلة رسمتها اودية تكانت، تربط بين جميع انحاء الوطن وتؤكد وحدة المصير، وتتعانق فيها افريقا والوطن العربي مع والولايات المتحدة وأوروبا دون سابق موعد ولا انذار رغم انف المتعانقين عناقا قدريا ابديا، لا يمكن للسياسة ولا القوة و الجبروت العالمي التأثير على مصيره الخالد.

وتتسع بطحاء تكانت وتضم اليها كل هذه القارات العظمى لتؤكد انها اكبر من كل طموجات منظمة استثمار نهر موريتانيا صنهاجه في رحلتنا تا هذه نمر بأرض تيرس المعطاء المستوية كالصراط حيث الدلتا الفاصلة بين الجبال والارض في موريتانيا، بدءا بالركيبه وسن تكانت، وظهر ادرار واكرراري، والتيقيديون، و انتهاءا في الحنك بتيرس الزمور،بعد لعصابه والركيبه، لنمر بآدرار الصمود، فنرى كيف قهر الانسان الطبيعة القاسية وحولها الى جنان، وكيف اختارت البركة هذه الأرض موطئا بقدرة قادر، و كيف سكنت ديارها وامرحتها، و تركت آثارها في تيرس واينشيري، وداخلت انواذيبو، وبطحة الصبط، والشكات.

نمر في رحلتنا هذه أيضا بآدرار ظهرا وباطنا وبمواقع كثيرة مثل الغلاوية، ولمغيطي، وتورين، وقاعدة صلاح الدين في لمرية، والعين الصفره، وكل هذه الاسماء التي ظلت جميلة قبل ان ترتبطت في اذهاننا بماسي لاتنسى، تولى بطولة فلمها سيئ الاخراج خوارج خرجوا من ذائقة الاسلام، ومن افئدة صالحي الزمان الحالي، ومن قلوب عامة المسلمين، و نحن في رحلة الخوف والرعب والشتاء والصيف هذه دائما و فترة الفصلين بالتحديد هي الفاصلة بيننا مع الوصول الى جزيرة جميلة اسمها انواذيبو، لنقطع المسافة من اقصى نقطة في الوطن إلى أبعد نقطة منها جزيرة انواذيب الجميلة، تستانس فقط في رحلتك الطويلة المنهكة البطوطية بالحديث الى دليل من قضاة جن تكانت “المسكونة”ّ يراك من حيث لاتراه وتسمعه من حيث لايراك، ويثير التشاؤم لديك بالحديث عن انتصار قضاء الجن في موريتانيا، وتفوقه على قضاء بني جلدتك من البشر، لا تحمل من الزاد سوى ما ارد له الله أن يبقى من علاوة نقلك الزهيدة وتضطر للاقتراض من زميلك من قضاة الجن على علاوة نقلك القادمة من صندوق ولد سيد باب، وقومه الأسود، ويشترط عليك عفريت الجن مرابحة من نوع خاص، اذا لم تسدد الدين في وقته فأمامك قضاء الجن العادل، وهو المختص وحده في فصل خصومتنا، وقد تبلغ عقوبة الاكراه البدني حسب نصوصهم القانونية في حدها الأدنى مقايضة الدين كرها بالولد أو الصلاة، و هو يتبجح عليك و يتدفق فخرا ان رواتب قضاة جن موريتانيا تفوق رواتب انسها بعشرة اضعاف.

وأن سياراتهم عابرة للصحراء، وغنية عن الوقود، وتحمل لوحة رسمية تصيب اشعتها الذهبية الجمارك بالعمى عند النظر اليها لأول وهلة، وأن رئيس محكمتهم العليا يملك اسطولا من الطائرات، و لا ينزل من السماء إلا في أوقات الضرورة، ولأمر هام وحدث جلل، كالنطر في مدى توفر شروط التوبة في بعض ملحدي الجن وعفارته المتزندقين، وأن فهمهم للعلو خاضع لمنطق الاشياء الطبيعية، وأن مدعيهم العام يملك اسطولا من طائرات الالكبتر لأن مهمته ميدانية وسريعة ومستعجلة، تتطلب تطويق مسرح الجرائم ومعاينتها على عموم التراب الوطني.

ولا يتوقف هذ العفريت عن دعوتك للانضمام إلى قضاء الجن للاستفادة من خبرات يراها فيك، وانت لا تراها في نفسك، أعماك عنها التهميش والرحلات البطوطية وغبار المخطوطات القديمة التي تمجد البدو وتكفر المؤمنين بحضارة يومنا العصرية، ولتستفيد من امتيازات مغرية لن تلجأ بعدها في المستقبل إالى الاستدانة من المتخاصمين إليك، والمتهمين أمامك، يوفره بيت مال الجن، ينصحك نصيحىة الصديق المشفق عليك بعدم قبول منصبك الجديد الذي لا يرى علاقة له بالقضاء، وهو يجزم ويصر على أن من أقنع سادتك بفتح محاكم هكذا هو من دمر كل الذين من حولك بمكائده المدفونة في حقوق الطفل والمرأة والحمار والنعجة، ويعرض عليك مادة شبيهة بالزئبق قادرة على أن توحد ألوان المواطنين وتعطي الوان العلم حصانة من التلوين، ومناعة ضد التلون في موريتانيا لحل مشكل العرق واللون الذي يراه أهم عائق دون الوحدة والإخاء بين الاخوة في الدين والوطن واللبن,

وأن هذا سر لا يقال لأحد استرق سمعه من السماء، بعد أن نجا وحده من بين عشرة آلاف من اقرانه هاجروا إلى أقصى مكان فوقي، وضحوا من أجل الاستماع إلى الحقيقة والعدالة من شهاب مدمر.

ودعت رفيقي وزميلي الجني القاضي الرائع المدعو غجغزر عند باب محكمتنا في دبي بنواذيبو، وتبادلت معه العناوين لعلي اذا فكرت وحيدا بعد استراحة استرد فيها انفاسي وأطرد فيها صقيع جبال تكانت وغبار الكتب والمدن القديمة وأتزود فيها من برد انواذيبو القارس لأخزن احتياطا كبيرا استعدادا لأي طارئ قد تدفع إليه الأربعاء الخضراء فافكر بعدها في مشروعه، واتصل به إذا حالفني الحظ هذه المرة ومرت بي صدفة زوبعة ارسل معها اخباري الى رفيق رحلتي الرائع.

يهون عليك كل شيئ وانت تنهي رحلة قضاء الجني و قدر الانسان وهي الممتعة والطويلة .

القاضي الخليل ولد بومن

أربعاء, 31/07/2019 - 03:04