بوادر إرساء العدل ودولة القانون والمؤسسات في خطاب التنصيب

             

قراءة في واقع قطاع العدل

تابع الرأي العام الوطني الحدث التاريخي المتمثل في تنصيب رئيس الجمهورية في سابقة تناوب سلمي علي السلطة كما تابع باهتمام كبير خطاب الرئيس محمد ول الشيخ الغزواني فاتح أغشت 2019 وقد كان لهذا الخطاب وقع خاص على النخب الفكرية والسياسية ومراقبي الشأن العام وكافة المواطنين حيث أكد انه سيكون رئيسا لكافة الموريتانيين بغض النظر عن اختلاف توجهاتهم مؤكدا ان هدفه الأوحد هو خدمة الوطن والمواطن وانه يتفهم الجميع باختلاف خياراتهم وان الفائز الأول هو الشعب الموريتاني .

وحسب تصورنا فان وضوح الرؤية والتوجه لدى الرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني والذي عبر عنه في خطابه بعث الأمل من جديد في نفوس الموريتانيين من خلال عزمه على مواصلة مسيرة البناء والتحديث لمختلف المرافق الحيوية للدولة ففي سياق الخطاب تحدث عن عصرنة وتجهيز الجهاز الأمني والإداري والمحافظة على ما تحقق وتعزيز الوحدة الوطنية وإرساء العدل بين الناس وتجسيد دولة القانون من خلال تطوير وتعزيز دور النظام القضائي الموريتاني وضمان استقلاليته ونزاهته اذ لا تنمية ولا إصلاح بدون صون حقوق الإفراد والجماعات وإقامة العدل إذ هو الأساس الصلب الذي تقوم عليه الدول.

وفي هذا السياق يتعين علينا مراجعة النظم الإدارية والقوانين المتعلقة بإصلاح وهيكلة القضاء لمواكبة التحديات وتحديث النظم والآليات الإدارية والقانونية الضرورية للنهوض بقطاع العدل وتطوير المنظومة القضائية في البلد .

حيث ان السياسة الجنائية فيما يتعلق بقانون العقوبات كمثال تحتاج إلى مراجعة للحد من عقوبة السجن في بعض الجرائم لعدم جدوائيته مثل جرائم الحق العام والمخدرات واستبدالها بعقوبات سالبة للحرية وغرامات تعود على خزينة الدولة أو فرض العمل على المحكومين بعقوبات زمنية للعمل لصالح المرافق العسكرية طيلة فترة حكوميتهم بدل بقائهم في السجن عالة على الدولة ويتمادون في الإجرام بسبب اختلاط مختلف التخصصات الإجرامية مما يجعل السجن مدرسة للإجرام بدل كونه إصلاحية للمنحرفين  دون مردودية تعود على النفع العام وقد عملت بهذا الأسلوب معظم الدول المتقدمة في سياستها العقابية ففي سويسرا مثلا لم يعد السجن العقوبة الأنجع بل استبدل بنظام العمل في الثكنات العسكرية والمستشفيات والغرامات المالية كعقوبة بديلة.

وعلي مستوي سير الدعوي فانه من الضروري تحديد آجال معقولة ومقبولة من خلال مراجعة القوانين الإجرائية ذات الصلة بسير الدعوي حسب اختصاص القضية 

كما أن تسريع الإجراءات في المجالات المدنية والتجارية والجزائية له مرودية كبيرة علي المتقاضين للفصل بسرعة المطلوبة في الملفات وسرعة تنفيذ الأحكام وخصوصا في المادة المدنية والتجارية والإدارية .

أما على مستوى المصادر البشرية والادرة القضائية والمرافق القضائية  فقد شهد خلال السنوات الماضية تحسنا كبيرا على مستوى البني التحتية والمستلزمات واكتتاب دفعات متتالية من عمال القطاع من قضاة وكتاب ضبط ودعم لأعوان القضاء .

إلا أن الخلل الكبير والتحديات التي تعترض تحديث وتطوير النظام القضائي وتقريب القضاء من المتقاضين وسهولة الولوج إلى التقاضي لا تزال قائمة بسبب ضعف الإدارة القضائية وغياب المحفزات وعدم وجود إستراتيجية فعالة في تطوير الكادر البشري من خلال التكوين والتأطير المستمر وتحديث بيانات الموظفين والاستفادة من الكفاءات التي يزخر بها القطاع من قانونين وخبراء ومحامين من أصحاب المؤهلات العالية وخصوصا العاملين في الحقل القضائي من قضاة وكتاب ضبط والذين يعانون من فقدان الأمل في الترقية داخل أسلاكهم او التعيين في مناصب تناسب هيبة القضاء بل إنما يحصل هو الإقصاء والارتجال في التعيينات والتكوين من خلال تحويلات وترقيات عشوائية دورية للقضاة لا تراعي الاختصاص أو التجربة المهنية والأقدمية.............. والأدهى والأمر  أنها أحيانا تكون علي أساس القبيلة والجهة والانتماء السياسي والولاءات الضيقة بأسلوب لا يتناسب مع سمو الرسالة النبيلة للعدل وجسامة مسؤولية القضاء    .

ونفس الحال يسري علي كتاب الضبط حيث لا توجد محفزات معنوية لهم ولا حتي تتاح لهم فرصة الترقية داخل سلكهم وولوجهم لسلك القضاة وحرمانهم من التعيينات الدورية في مصالح العدل .

ومن خلال هذه السطور فإننا نهيب برئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس الدولة محمد ولد الشيخ الغزواني بمعالجة هذه الوضعية وتصحيح الخلل ومعالجة النواقص التي تعترض تطوير واقع قطاع العدل  

                                                                   الأستاذ / محمدن متالي           

                                                                 قانوني وباحث في نظم الإدارة               

جمعة, 02/08/2019 - 22:43

إعلانات