من واقع المفتشية والتفتيشات القضائية

( ينحصر التفتيش عادة في مرور المفتش على المحكمة فيسجل عدد الأحكام والقرارات الصادرة عنها وكذلك الأصلاح وعدد القضايا المفتوحة وتوقيع السجلات وينصرف بعد ذلك وفي بعض الأحيان يرسل المفتش الشكليات للمحكمة قبل وصوله فيقوم كاتب الضبط بكتابة المعلومات فيها قبل قدومه ليسلمها له عند وصوله ثمّ يوقع السجلات أثناء سلامه على طاقم المحكمة وبعد ذلك ينصرف ممّا يعني أنّ المفتشية لم تعد تلعب الدور المنوط بها للأسف ذلك أنّ يجب على المفتشية عند زيارتها لأيّ محكمة أن تطلع على أمور من ضمنها:
- جودة تنظيم المحكمة 
- تراقب مدى سرعة البتّ في القضايا
- مدى تحرير الأحكام في التاريخ المحدد لها قانونا
- مدى تسبيب الأحكام والقرارات الصادرة عن المحكمة ... 
ويلاحظ أنّ هناك كثير من النواقص في هذا المجال ولم أسمع أنّها كانت محلّ ملاحظة من طرف المفتشية في أيّ محكمة هذا مع أنّه يفهم من المرسوم المنشئ لها في عمومه خاصة المادة: 9 منه أنّها تراقب هذه الأمور وغيرها ونشير إلى أنّه بالإضافة إلى ما تقدم إلى أنّ الفقرة الأخيرة من المادة: 11 من ذات المرسوم تنص على أنّ المفتشية بمناسبة أيّ تفتيش تجريه يمكنها أن تقترح أمورا من ضمنها:
- المتابعة القضائية للشخص المفتش
- مكافأة الشخص الذي كشف التفتيش عن جودة عمله مكافأة من أيّ نوع متى رأت أنّه يستحق المكافأة
ولا شك أنّ غياب تفتيشات جادة من هذا النوع من بين الأسباب التي دفعت إلى أداء بعض القضاة لعملهم بشكل غير متقن وتساوي المحسن والمسيء الشائع في تعامل وزارة العدل مع القضاة وهذه الحالة نتيجة منطقية لأمور منها أنّه في السنوات الأخيرة لا يعين على رأس المفتشية في معظم الأحيان إلا قضاة ليسوا من المشهورين بالدفاع عن استقلال القضاء وليسوا من أهل التجربة والكفاءة في أحيان كثيرة لذلك يحدث أن توجه للمفتشين أوامر مثيرة للجدل كما حصل في الفترة الأخيرة فينفذونها دون تردّد كما هو الحالة في التفتيشات التي قامت بها المفتشية للمحكمة الجنائية بأنواكشوط الغربية وذلك بعد إصدارها للحكم رقم: 87/ 2016 الصادر في الملف رقم: 101/ 2016 المتعلق بقضية مخدرات تمّ عرضه بعد ذلك بفترة وجيزة على محكمة استئناف خضعت هي الأخرى لتفتيش مماثل وفي ذات الفترة ولذات الأسباب ممّا دفع رئيسها إلى طلب العزل عن الملف الذي سبّب الحكم فيه تفتيش محكمة الدرجة الأولى بعد استئنافه تفاديا للحرج لكنّ طلب عزله رفضه رئيس المحكمة العليا حينها ونشير إلى أنّ محكمة الاستئناف رفعت عقوبة أحد المتهمين على الأقلّ في الملف محلّ التفتيش في الدرجة الأولى حسب القرار رقم: 102 / 2016 ورغم ما أثارت عملية التفتيش هذه من استياء داخل القطاع فإنّ المفتشية قامت بعد ذلك بتفتيش مماثل للمحكمة الجنائية بالنعمة وذلك بمناسبة إصدارها للحكم رقم: 16/ 2017 واشفع الادعاء العام هذا التفتيش ببعث نائب المدعي العام لدى المحكمة العليا والمدعي العام لدى محكمة استئناف كيفة لوكالة الجمهورية لدى ذات المحكمة في نفس الفترة وبذات المناسبة وتدخل النيابة العامة في هذه القضية أرجو أن لا تكون له علاقة بما أشيع بعيد صدور الحكم من أنّ بعض أطراف القضية هدّدوا بالاستقالة من الحزب الحاكم الأمر الذي يعزز ما يذهب إليه البعض من أنّ وزراء العدل يريدون أن يزرعوا في أذهان المواطنين العاديين وغيرهم أنّ القاضي ليس إلا مأمورا عموميا بسيطا يهان داخل مكتبه وأمام المتقاضين من طرف وزير العدل كما أنّه يحوّل ويرقى بأمر منه و في أحسن الأحوال باقتراح منه أعني وزير العدل ويحال إلى المجلس التأديبي من طرفه متى شاء وهذا ما يتضح من إحالة 2 % من القضاة دفعة واحدة إلى المجلس التأديبي من طرف أحد وزراء العدل لكنّ المجلس برّأهم من التهم الموجهة إليهم بموجب قراره الصادر بتاريخ: 22/ 03/ 2017 وواضح أنّ هذه الأمور على درجة عالية من الخطورة لأنها:
- تنسف جميع قيم ومبادئ دولة القانون التي تفترض كلّها استقلال القضاء
- يمكن أن تحمل الجمهور على الاعتقاد بأنّ على القاضي أن يعمل على تنفيذ جميع أوامر وزير العدل ممّا يجعلها تتعارض قطعا مع ما يجب السعي إليه من تعزيز مصداقية القضاء وإقناع المواطنين وغيرهم بجدوائية اللجوء إليه وهذا ما يدفع إلى القول بأنّ استقلال القضاء يتطلب بالإضافة لما سبق أن تنهى تبعية القضاة الإدارية لوزير العدل بحيث يكون القضاء الجالس على الأقل يتبع إداريا لرئيس المحكمة العليا أو نائبه كما هو الحال بالنسبة للقضاء الإداري في فرنسا هذا مع الإشارة إلى أنّ الفترة الراهنة من تاريخ موريتانيا تتطلب أكثر من غيرها استقلال القضاء ويشار إلى أنّ المفتشية يمكن أن تقترح تعليق القضاة وإحالتهم إلى المجلس التأديبي طبقا للمادة: 11 من المرسوم رقم: 34/ 2006 المشار إليه أعلاه )
من هوامش المكتوب ص 113- 114

القاضي/محمددينج محمدمحمود

سبت, 03/08/2019 - 14:01

إعلانات